– يتشابه النظر لمعارك حزب الله في جرود عرسال ومزارع شبعا عند فريقين يقفان نظرياً في موقعين مختلفين، هما القيادة «الإسرائيلية» وقيادة فريق الرابع عشر من آذار. فالتشبيه بين المعركتين قائم لدى الفريقين، ولكن بطريقة مختلفة «إسرائيل» ترى معارك حزب الله في جرود عرسال تمريناً على معركة قد لا تكون بعيدة في مزارع شبعا، وفريق الرابع عشر من آذار يربط مواقفه من المعركتين بمعادلة واحدة هي عدم الثقة بأنّ ما يتمّ القتال لأجله هو أرض لبنانية، معتبراً المشكلة الرئيسية هي ترسيم الحدود اللبنانية السورية في المنطقتين وليس سيطرة الإرهاب في واحدة والاحتلال في الأخرى.
– منهجية حزب الله واحدة في المنطقتين، منطقة لبنانية يملك فيها اللبنانيون أرزاقاً يسطو عليها أجنبي، محتلّ معتد، سواء أكان إرهابياً أم صهيونياً، وجب تحريرها منه، والأرض المحرّرة تستدعي تنسيقاً مع الشقيق السوري المعني بتحرير جزء موازٍ هو باقي القلمون السوري شرقاً والجولان جنوباً، وبعد التحرير يسهل التعاون لترسيم الحدود بين لبنان وسورية. هذا في المقابل لطرح الفريق اللبناني المختبئ وراء الترسيم، أما في مقابل القراءة «الإسرائيلية» فحزب الله يبدو غير معنيّ بالردّ ولا النقاش، ولا يُضيره أن يرى «الإسرائيليون» مزيداً من الجهوزية وأن يقرأوا مزيداً من الاقتدار ويحلّ بهم مزيد من الذعر، فتلك وظيفة كلّ معاركه أن تحقق الإنجاز من جهة، وأن تزيد يقين العدو بقرب هزيمته من جهة أخرى، فتكون تعزيزاً لموازين الردع وجزءاً من مقوّمات الحرب النفسية.
– «الإسرائيليون» يذهبون إلى الأبعد في تعليقاتهم فلا يرون مجرد عرض قوة في جرود عرسال، كما في حلب أو في سواها من المعارك التي خاضها او اشترك فيها حزب الله في سورية، بل يتوقّفون أمام التكتيكات العسكرية ونمط التعامل مع الجغرافيا، ليقولوا إنّ حزب الله قد أتمّ مع معركة الجرود جهوزيّته لمعركة مزارع شبعا، ويستدلّ قادتهم العسكريون على ذلك بأمرين يعتبرونهما من شروط اكتمال الجهوزية، وقد أظهرتهما معارك الجرود، وبطريقة لم تكن الأمثل لحرب الجرود وجرى اعتمادها لاختبارها وتطبيقها والفوز بها، باعتبارها الأمثل لحرب المزارع.
– الأمر الأول هو تطبيق الحركة في ظلال النار لضمان سرعة الإنجاز والمباغتة. وهذا مبدأ حربي نادر الاستخدام لخطورته، فتقدّم الوحدات المقتحمة قبل أن تتوقف نيران القصف التمهيدي غاية في الخطورة، ما لم تتمتع الوحدات النارية ووحدات الاقتحام بدرجة عالية من المهارة والدقة ومثلها درجة عالية من التناغم والثقة المتبادلة بينهما، ولا تقوم بها إلا وحدات منتقاة نادرة لدى الجيوش تعيش في التمرين المستمرّ على هذا النوع من العمليات كتفاً إلى كتف بين الوحدات النارية المعنية بالتغطية للتقدّم بالتمهيد الناري، ووحدات المغاوير الموازية المتخصّصة بالاقتحام. ويبرّر اللجوء إليها تقدير قيادة العمليات لامتلاكها وقتاً محدوداً لإنجاز المهمة قبل وصول النجدة لوحدات العدو أو قبل تدخل طيران العدو أو سواها من العناصر المماثلة. وهذا النوع من القتال لم يكن ضرورياً برأي القادة «الإسرائيليين» في حرب الجرود، لكنه ضروري لحرب المزارع. وتقول حرب الجرود إنّ ما قام به حزب الله استثنائي ومُبهِر على هذا الصعيد.
– الأمر الثاني هو التحرّك من أدنى إلى أعلى، ففي حروب التقدّم الجردية والجبلية، تبحث الجيوش الراغبة بالاقتحام والتقدّم عن نقاط مرتفعة تتمركز بها لبدء هجومها من أعلى إلى أدنى مستخدمة الرؤية والتفوّق بالنار وسهولة الانتقال. وهذا كان متاحاً لحزب الله في حرب الجرود، والإصرار على التقدّم من أدنى إلى الأعلى، لم يكن للمباغتة ومخالفة التوقع لدى عناصر النصرة باختيار النقاط الصعبة لبدء الهجوم، وفقاً للقراءة «الإسرائيلية»، بل لأنّ الحرب في المزارع ليست فيها إلا فرصة التقدّم من تحت إلى فوق، فـ «الإسرائيلي» في المرتفعات، وهذا يعزز الاستنتاج بأنّ مقتضيات اتخاذ حرب الجرود مثالاً وتمريناً لحرب المزارع كان حاكماً في اختيار واختبار التكتيكات القتالية لحزب الله، بعكس مقتضيات المعركة نفسها في الجرود، والتي يثبت الفوز بها بالشروط الأصعب أنّ الفوز بها كان سهلاً بالشروط الأسهل.
– يضيف المحللون العسكريون «الإسرائيليون» لهاتين الميزتين أصل التشابه الجغرافي للمنطقتين الجرديّتين بمئات من الكيلومترات المربعة الخالية من السكان، والموجودة على مثلث انتشار للجيشين اللبناني والسوري وقوات لحزب الله، فيقولون على القيادة السياسية «الإسرائيلية» أن تتصرّف وفق معادلة أنّ حزب الله بات جاهزاً لحربه معنا، وهو لم يحذفها يوماً كأولوية. وبينما كنا نحن فرحون بانخراطه في الحرب في سورية لصرفه عنا، ونفترض أنّه مأخوذ بحاجات حربه في سورية، وإذ به يحوّل مشاركته الفاعلة في هذه الحرب إلى تمارين نوعية للحرب معنا. وتختم، هذا معنى قول السيد حسن نصرالله إنّ المبادرة البرّيّة ستكون لحزب الله في الحرب المقبلة.